موسسه گفتگوی دینی وحدت

صفحة رئيسية

اتصل بنا

حساب المستخدم

حولنا

اللغة الفارسية

السعودية غداً: دراسة التيارات الفكرية والسياسية الجديدة في السعودية (الجلسة الأولى)

بازنشر در فضای مجازی

بسم الله الرحمن الرحيم

جلسة “السعودية غداً” – الجلسة الأولى

دراسة التيارات الفكرية والسياسية الجديدة في المملكة العربية السعودية
نُشر في مجلة “راه”، العدد 33+3
المتحدث: حميد رضا غريب رضا

تحولات المملكة العربية السعودية: نحو «عربستان الغد»

حميد رضا غريب رضا | نشرة “راه”، العدد ٣٣+٣ | الجلسة الأولى من ندوة «عربستان الغد»

لماذا ندرس تحولات السعودية؟

الهدف من طرح موضوع «عربستان الغد» هو تقديم تصور جديد للمشهد الفكري والسياسي في السعودية، نكشف من خلاله عن واقع ثقافي متعدد يعارض الصورة النمطية الراسخة في الأذهان، والتي ترى في السعودية فضاءً مغلقًا تهيمن عليه الوهابية المتشددة، وكأن لا وجود لأي نشاط ثقافي أو سياسي خارج هذا الإطار.

جزء من هذه الصورة النمطية يعود إلى طبيعة علاقتنا مع السعودية، والتي تقتصر غالبًا على موسم الحج. فالحجاج القادمون من إيران، على سبيل المثال، يواجهون هناك رجال «هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر» المتشددين، الذين يضايقون الزوار في البقيع، والمسجد الحرام، والمسجد النبوي، ويمنعونهم من الدعاء والزيارة والتوسل، لا سيما الشيعة منهم. صحيح أن المؤسسات الدينية والثقافية الرسمية ما تزال تحت سيطرة هذا التيار، لكنه ليس كل شيء. فالسعودية تتغير، والغد لن يكون كالبارحة.

في هذه المداخلة، أهدف إلى تقديم قراءة لمسار التحول الثقافي والفكري في السعودية، من الماضي إلى الحاضر، لنرسم على أساسه ملامح «عربستان الغد».

جذور التحول السعودي

لدراسة التيارات السلفية بوصفها المكوّن الفكري الأساسي في المملكة، وأيضًا التيارات الأخرى المعارضة أو المختلفة عنها، لا بد من التوقف عند مسألة بنيوية: ما هي طبيعة العلاقة بين الدين والدولة في السعودية؟ وما هو الأساس الذي قامت عليه هذه العلاقة؟

الجواب يقودنا إلى ما يُعرف تاريخيًا بـ«ميثاق القرآن والسيف»، وهو التحالف الذي أُبرم بين محمد بن عبد الوهاب وآل سعود. احتاج آل سعود في بدايات تأسيس دولتهم إلى غطاء ديني يمنحهم الشرعية ويحول كيانهم من سلطة قبلية إلى دولة، فكان ابن عبد الوهاب مستعدًا للقيام بهذا الدور مقابل دعم سياسي لتوسيع نفوذه ونشر مذهبه، الذي اتخذ من التكفير والتبديع سلاحًا ضد كل من خالفه، حتى من أهل القبلة.

العولمة والتحول الثقافي

بعد قرن ونصف من الصراع العسكري والسياسي والديني، استقرت الوهابية كإيديولوجيا رسمية للدولة السعودية. غير أن العقود الأخيرة، ومع تسارع العولمة ودخول السعودية فضاء الإعلام والانفتاح العالمي، جعلت من هذا النموذج الفكري عاجزًا عن تلبية متطلبات المرحلة الجديدة.

التحولات الاجتماعية، وزيادة التعددية الدينية والمذهبية، وعودة النخب السعودية من الخارج، وانتشار الإنترنت والفضائيات، كلها عوامل دفعت بالكثير من الشخصيات والتيارات المعارضة للوهابية إلى السطح، بعد أن ظلت تحت الأرض على مدى ثلاثة قرون. هذه التيارات بدأت الآن تفرض حضورها في المشهد الثقافي والفكري.

السعودية والمحافظة السياسية

السياسة الخارجية السعودية، بحكم اعتمادها الاقتصادي الكبير على النفط، تتسم بطابع محافظ. فكما يشير الباحث محمد بن مختار الشنقيطي، فإن الدولة السعودية تميل إلى التماهي مع القوى الكبرى، وعلى رأسها الولايات المتحدة، لضمان استقرارها واستمرارها. غير أن هذا التوجه المحافظ يصطدم اليوم مع تطلعات جيل سعودي جديد، يتسم بروح إصلاحية وربما حتى ثورية، ما يعمّق التناقضات داخل المجتمع.

الوهابية التقليدية – الرسمية

أحد أبرز التيارات الفكرية الموجودة في السعودية اليوم هو تيار السلفية الوهابية التقليدية المرتبط بالمؤسسة الحاكمة. يقود هذا التيار آل الشيخ، أحفاد الشيخ محمد بن عبد الوهاب، الذين لا يزالون يحتفظون بمفاتيح المؤسسات الدينية الرسمية: هيئة كبار العلماء، اللجنة الدائمة للإفتاء، الجامعة الإسلامية في المدينة، هيئة الأمر بالمعروف، وزارة الشؤون الإسلامية، وغيرها.

وبالمقابل، تسيطر عائلة آل سعود على المؤسسات السياسية والاقتصادية والعسكرية. وقد حكمت العلاقة بين الطرفين – آل سعود وآل الشيخ – علاقة شراكة تاريخية وتوزيع أدوار، إلا أن هذه المعادلة باتت مهددة في العصر الحالي، نتيجة الضغوط الدولية وضرورة إظهار وجه أكثر ليبرالية للدولة.

بات واضحًا أن النظام السعودي بدأ بتقليص نفوذ هذا التيار التقليدي، مع الاستمرار في الاعتماد عليه ضمن حدود معينة، خصوصًا لمواجهة الحركات الجهادية السلفية الأكثر تطرفًا. فمن منظور سلفي تقليدي، الطاعة للحاكم واجبة، والخروج عليه – حتى لو كان فاسقًا – حرام شرعًا، ما يجعل هذا التيار شريكًا مفيدًا للسلطة، وإن كانت الأخيرة تعمل تدريجيًا على تهميشه.

من خصائص هذه الوهابية الرسمية: الانغلاق الفكري، ورفض الحوار مع المختلف، وضعف التواصل مع فئة الشباب، واستعمال خطاب تقليدي قديم، وهو ما نراه في الكتب المترجمة والموزعة بين الحجاج، التي تمثل في الغالب نتاج هذا التيار.

السلفية الجهادية: النشأة، التحولات، والانقسامات

شهدت السلفية في السعودية تحوّلات كبيرة بعد دخول أفكار جماعة الإخوان المسلمين إلى المملكة، إذ دفعت هذه الأفكار السلفية التقليدية نحو مسار جديد أكثر راديكالية. أحد أبرز محطات هذا التحوّل جاء بعد إعدام سيد قطب في مصر، حيث انتقل شقيقه محمد قطب إلى السعودية، بدعوة من جهات رسمية في سياق الصراع السياسي بين النظامين المصري والسعودي آنذاك.

محمد قطب نشر أفكار شقيقه التي كانت تميل إلى العدالة الاجتماعية والتغيير الثوري بين أوساط الشباب السعودي. أفكار سيد قطب تخطّت الخطوط الحمراء للوهابية، ومنها نقده العلني للخليفة عثمان بن عفّان، واعتباره أن الخروج عليه كان “خروجاً مقدساً”، وهو ما أثار غضب التيار الوهابي التقليدي، الذي يؤمن بعدالة كل الصحابة. هذا الصدام أدى إلى بروز تيار سلفي جديد داخل الوهابية يُعرف بـ”الجامية”، تخصص في نقد رموز الصحوة الإسلامية وتكفيرهم، وعلى رأسهم سيد قطب.

القاعدة: ثمرة لقاء بين القطبية والوهابية

حين انتقلت هذه الأفكار من مصر إلى السعودية، لم تنتج جماعة إصلاحية مثل الإخوان، بل أدّت إلى ولادة تنظيم القاعدة. فالجغرافيا الثقافية والسياسية تلعب دوراً حاسماً في صياغة التيارات الدينية. ففي السعودية، حيث تهيمن الوهابية التقليدية، تزاوجت أفكار سيد قطب الثورية مع الروح الإقصائية والتكفيرية للوهابية، لتنتج ما يُعرف بالسلفية الجهادية، التي لا ترى وجوب طاعة الحكام إذا لم يطبقوا الشريعة، وتكفّر الأنظمة السياسية وتدعو إلى قتالها.

هذا التيار، الذي مثّله تنظيم القاعدة، انتقل لاحقاً إلى العراق وأفغانستان، حيث شهدنا مواقف طائفية متشددة، كما في حالة الزرقاوي، الذي اعتبر الشيعة “أشد كفراً من اليهود والنصارى”، ودعا إلى تصفيتهم قبل مقاتلة المحتل. هذه الطائفية العنيفة أصبحت سمة راسخة في توجهات السلفية الجهادية.

السلفية الإصلاحية: محاولة للخروج من المأزق

بعد أحداث 11 سبتمبر والجرائم التي ارتُكبت باسم الجهاد في دول عدة، برز تيار جديد داخل السلفية يُعرف بـ”السلفية الإصلاحية”. يسعى هذا التيار إلى التوفيق بين السلفية التقليدية والجهادية، عبر رفض منطق الطاعة المطلقة للحكام من جهة، ونبذ العنف والمواجهات المسلحة من جهة أخرى. وهو يؤمن بضرورة الإصلاح التدريجي من خلال نشر الثقافة وتوعية الناس، دون صدامات سياسية أو عسكرية.

رموز هذا التيار، مثل سلمان العودة وعائض القرني وناصر العمر، كانوا في الأصل من التيار الجهادي، بل أصدروا فتاوى بالجهاد، ثم تحوّلوا بعد خروجهم من السجون إلى وجوه شبه ليبرالية تتصدر الشاشات والصحف. ويُقال إن الإفراج عنهم جاء مشروطاً بأن يكونوا تياراً ثالثاً بديلاً، يتسم بالاعتدال، ولا يكرر تطرف الجهاديين ولا انغلاق التقليديين.

مراجعات جهادية من الداخل

في الآونة الأخيرة، ظهرت داخل التيار الجهادي نفسه أصوات ناقدة تدعو إلى مراجعة شاملة للفكر والممارسة الجهادية، في ما يُعرف بـ”مراجعات الجهاد”. من بين هذه الأصوات، سيد الإمام في مصر، الذي ألّف كتاب “ترشيد الجهاد في مصر والعالم”، وفيه انتقد ممارسات القاعدة وتكفير الشيعة. وكتب صراحة: “الشيعة فرقة من المسلمين، ومن يقتلهم فجزاؤه النار”. مواقف مماثلة صدرت عن المقدسي في الأردن، وطرطوسي في سوريا، في محاولات لإعادة النظر في الفكر الجهادي.

تفرعات السلفية: حكومية، جهادية، وإصلاحية

السلفية اليوم في السعودية تنقسم إلى ثلاث تيارات رئيسية: السلفية الحكومية، السلفية الجهادية، والسلفية الإصلاحية، ولكل منها تفرعات داخلية.

السلفية الحكومية تنقسم بدورها إلى “سلفية تقليدية” و”سلفية حديثة”. التقليدية تؤمن بالطاعة المطلقة للحاكم، بينما الحديثة تتبنى نفس المبدأ لكنها تستخدم أدوات العصر كالخطاب الإعلامي الحديث وعلوم الإنسان. مثال على هذا التيار هو “رابطة العالم الإسلامي”، برئاسة عبد المحسن التركي، التي تحاول تحسين العلاقات حتى مع الشيعة، كما يظهر من مواقفهم في مؤتمرات دولية.

السلفية الجهادية تضم طيفاً واسعاً من الجماعات، تختلف في مسألة التكفير. بعضهم يرى أن كل المجتمعات المعاصرة “جاهلية”، ولا تُعتبر إسلامية إلا إذا ثبت إسلامها، فيما يعتقد آخرون أن التكفير مهمة القضاة وليس الأفراد.

السلفية الإصلاحية أيضاً تضم تيارات متباينة، بعضها قريب من فكر الإخوان المسلمين. حسن البنا، مؤسس الإخوان، كان يميل إلى التصوف ولم يكن معادياً للشيعة، بل دعا إلى وحدة المسلمين. لذلك، تُعد السلفية الإخوانية نموذجاً معتدلاً لا يتبنّى العنف أو التكفير، بل يكتب ضده وينتقده علمياً.

الإخوان المسلمون في السعودية: من الحضور الفكري إلى الانقسامات التنظيمية

في السياق السعودي، يُعد تيار “الإخوان المسلمين” أحد أهم مكونات السلفية الإصلاحية، لكن لا ينبغي الخلط بينه وبين السلفية الإصلاحية التي نشأت لاحقًا كرد فعل على تطرف القاعدة. فالإخوان المسلمون يمتلكون جذورًا فكرية وتاريخية أقدم من القاعدة، وتياراتهم المختلفة تعكس تنوعًا في الرؤية والأهداف داخل المجتمع السعودي.

السرورية: بين السلفية والإخوان
أحد أبرز التيارات المنبثقة عن فكر الإخوان في السعودية هو تيار “السرورية”، المنسوب إلى محمد سرور زين العابدين، وهو شخصية سورية هاجرت إلى المملكة واستقرت بها، حيث قام بالتدريس في الكليات الشرعية، وأسس تيارًا خاصًا مزج بين الفكر الإخواني والتقاليد السلفية.

على الرغم من تأثرهم بفكر الإخوان، إلا أن السروريين انفصلوا تنظيميًا عنهم، فلا يؤمنون بالبنية الهرمية الصارمة التي تميز جماعة الإخوان والتي تفرض الولاء للمرشد العام. السروريون أكثر تركيزًا على المسائل الدينية، ويعارضون الرؤية السلفية التقليدية الخاضعة للسلطة السياسية، مما أكسبهم جاذبية خاصة لدى قطاع من الشباب السعودي الباحث عن هوية دينية مستقلة.

التنوير الإسلامي: مناهج فكرية وتجديد حضاري
إلى جانب السروريين، برز تيار آخر متأثر بفكر الإخوان، هو تيار “التنوير الإسلامي”، الذي يتبنى خطابًا ثقافيًا وحضاريًا يتجاوز حدود الفقه والسياسة، نحو نقد معرفي وبناء حضاري شامل. يسعى هذا التيار إلى إنتاج نظريات تتعلق بنهضة العالم الإسلامي وإعادة إحياء مشروعه الحضاري، ويستمد أفكاره من رموز فكرية معتدلة مثل الدكتور سلیم العوّا وفهمي هويدي.

من رموزه في السعودية نواف القديمي، الذي كتب نقدًا عميقًا لحركة الوهابية من منظور معرفي عبر موقع “إسلام أون لاين”، وتم التواصل معه في سياق بحث أكاديمي حول “نقاد الوهابية الجدد”. أبدى القديمي انفتاحًا واضحًا تجاه مشروع التقريب بين المذاهب الإسلامية، وعبّر عن اهتمامه بالتجربة الثقافية الإيرانية، بل وأبدى رغبة في زيارة إيران للاطلاع المباشر على واقعها.

خلاصة
إن تجربة الإخوان المسلمين في السعودية ليست مجرد امتداد تنظيمي للجماعة الأم في مصر، بل هي تجربة متحوّلة أنتجت تيارات متعددة: بعضها كـ”السرورية” ابتعد عن الانضباط التنظيمي للإخوان، وبعضها كـ”التنوير الإسلامي” ارتقى إلى آفاق ثقافية وفكرية أوسع، تسعى لإعادة تشكيل المشهد الإسلامي بعيدًا عن الجمود التقليدي أو العنف الجهادي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *